انا على يقين بأن الناس الذين عاشوا في القرون التي مضت كانوا اكثر سعادة مناٌ، هم وحدهم من أدهشتهم الرسائل الورقية ، دهشة جمال النساء الطبيعي الناعم ، والأنوثة الحقيقية الغير مبتذلة، دهشة الرجال بعضلاتهم البارزة الخالية من الأثقال والبروتين، دهشة أول دراجة ، وأول سيارة وأول قطار واول طائرة. كانت الصعوبة والمجازفة في أعلى مراحلها حينها، ولكن اجزم انهما من يعطي للبشري قيمته كإنسان .نفتقر في زماننا هذا الى الدهشة، نحن اليوم محض قوالب بلاستيكية يحاول كلُ منا مشابهة الآخر، نمسك بقبضتنا أجهزتنا المحمولة وكأنها أمر محتوم من صنع أيدينا، نملٌ من شركائنا ومنا حين نشاهد ما ينقصنا عند الآخرين، الذين بدورهم يبحثون عن نقائصهم فينا وهكذا ندور مثل أرقام في عجلة "روليت" الى أن ينتهي بنا العمر ونحن محض كائنات يائسة ضاجرة جائعة .تُظهر وسائل الإعلام والصور الماضي باللونين الأبيض والأسود، وأنا لا يسعني الأ أن أراه باللون الأرجواني اللذيذ وان أرى واقعنا رماديا فارغا من الروح واللذة .وصفوا لي تلك الحالة على انها " النستولوجيا " أي الحنين الى الماضي ضمن إطار وهمي، بيد أنني حين تُذكر تلك التشخيصات أمامي أربطها بشخصية من الماضي لا زال يعيش اسمه بيننا، " اينشتاين " أليس هو عبقري عصره وعصرنا الذي قال : " كل شيء وهم" .فانطلاقا من هذه الاقتباس اختار وهما يقويني وأتلذذ بوهم المعيش في الزمن الماضي .اقرأ كتبهم، واسارع الى مشاهدة كل الأفلام التي تروي حكاياتهم في ذلك الزمن، اتخيل نفسي دوقة بفستان منفوش مزكش، استمع الى " موزات "بواسطة " الفونغراف " وأتمشى بواسطة عربة في شوارع لندن الباردة ..وفي احيان أخرى أتخيل نفسي فقيرة اعمل في تنظيف المداخن وانا اتخفى بثياب صبي !ليس الحنين الى تلك الفترة الا رغبة في استرداد قيمتي كإنسان ! بأن أكد واعمل حتى أصل الى مبتغاي، لا أتشارك مع العالم هذا الكم الهائل من المآسي والكوارث الإنسانية، ولا أتناول كل هذا الطعام المعدل وراثيا، استشعر قيمة الحب الحقيقي والصداقة الدافئة، وأهم من هذا كله ان أشعر بالدهشة !ربما هذا ما ينقص المعادلة ، تكاد ان لا ترى الدهشة في وجوه الناس، سوف تتحول الى أضحوكة ان تملكتك الدهشة من سماع زقزقة العصافير وهي تتحدث مع بعضها بعضا، أو رغبتك في رؤية الصوت لا سماعه، او أن تخبر الناس انك استمتعت في رؤية النار وهي تخرج من قداحتك او من فرن الغاز، لن يُدهش العالم معك ، وربما يرسلونك الى مستشفى المجانين عاجلا ! كلا لن أراهن بكلمة ربما ، بل حتما ... هم سيفعلوا .