يشير مفهوم القرون الوسطى أو المظلمة إلى الفترة الواقعة بين انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس وبداية عهد التنوير في أوروبا في القرن الرابع عشر ميلادي، ويرجع سبب اقتران هذه الفترة بالظلامية إلى عدم حصول أي تقدم علمي أو فني فيها، وعدم ظهور أي قائد مصلح خلالها أيضًا، بل إن الأوروبيين أقدموا على دحر منجزات أسلافهم من الفلاسفة اليونانيين والرومان بدلًا عن التمسك بها والعمل على تطويرها، وكان معظم الناس يرزحون تحت سلطة الكنسية الكاثوليكية، التي امتلكت قوة هائلة وساندت الملوك والحكام في تلك الفترة، ومن المثير للاهتمام أن حال المسلمين كان أفضل بكثير أثناء هذه الفترة، بل إن رقعة انتشار الإسلام قد أصبحت ضعف رقعة العالم المسيحي بنحو ثلاث مرات تقريبًا أثناء العصور الوسطى.
اتسمت القرون الوسطى بالبربرية، والعنف، وعدم المساواة بين الناس، والأمراض الفتاكة، ومشاكل أخرى كثيرة ما زال الأوروبيين يستحضرون صورها ويجسدونها أحيانًا في الأفلام السينمائية والفنون الخاصة بهم، ومن بين الأهوال المرعبة التي كانت سائدة في تلك الحقبة:
- التعذيب: ساد استخدام التعذيب أثناء القرون الوسطى لغرض نزع الاعترافات أو معاقبة المجرمين قبل قتلهم، واتسمت فنون التعذيب المستخدمة أبان تلك الفترة بالتوحش والنزعة نحو إيلام الإنسان قدر الإمكان وبأبسط الطرق الممكنة وباستخدام آلات خاصة بهذا الأمر؛ فكانوا مثلًا يلجؤون إلى استخدام آلة تُدعى بلولب الإبهام، التي كانت تهدف إلى سحق أصابع الضحية، كما كان هنالك آلة تعذيب تُدعى بكمثرى الخنق، التي كان يجري إدخالها داخل فتحات جسم الضحية ثم فتحها أو توسعتها تدريجيًا وهي داخل فتحات الجسم.
- الإعدامات القاسية: كان المحظوظين من المجرمين يُعدمون بسرعة باستخدام المقصلة أو الآلات الشبيهة بها، لكن آخرون لم يكونوا محظوظين وإنما كانوا يتعرضون إلى طرق إعدام وحشية تهدف إلى جعلهم يتألمون قدر الإمكان قبل قتلهم، كالموت غرقًا أو الموت بتقطيع الجسم إلى أرباع، بل وقد وصل الأمر ببعض الناس في القرون الوسطى إلى الإقدام على جر الضحية بالخيل إلى مكان الإعدام، ثم إعدامه شنقًا لكن دون إيصاله إلى لحظة الموت، وإنما جلبه وهو حي إلى طاولة التقطيع والبدء بتقطيع جسده وانتزاع أحشائه، ثم تقطيعه إلى أربع أجزاء في النهاية.
- الطاعون الأسود: اشتهر الطاعون الأسود باسم الموت الأسود أيضًا، ولقد وصل إلى القارة الأوروبية خلال أربعينات القرن الرابع عشر قادمًا من المناطق الآسيوية، وتشير المعلومات المتوفرة إلى تسبب هذا المرض بوفاة 20 مليون إنسان في أوروبا، أي حوالي ثلث سكان القارة في ذلك الوقت، والمشكلة في الطاعون الأسود هو أعراضه السيئة التي تتضمن ظهور دمامل مليئة بالقيح والدم، كما كان الناس على جهل في طرق انتقاله وكانوا يعتقدون بانه عقاب من الله، مما حذا بهم إلى قتل اليهود وتعذيب أنفسهم لتنظيف أرواحهم لينقذهم الله من المرض!
- الأفكار الجنسية المجنونة: أدى التعصب الديني المسيحي في القرون الوسطى إلى ولادة أفكار غريبة حول طبيعة الرغبة الجنسية لدى النساء تحديدًا، ووصل الأمر إلى حد اعتقاد النساء بأن رغبتهن الجنسية هي نزعة شيطانية يجب التخلص منها قدر الإمكان، وهذا حذا ببعض الراهبات المسيحيات إلى حرق أعضائهن التناسلية لجعل تجربتهن الجنسية أمرًا قذرًا ومأساويًا إلى أبعد الحدود!
- الممارسات الطبية المجنونة: لم يكن الأطباء على دراية كافية بطبيعة الأمراض وطرق انتقالها أو شفائها خلال العصور المظلمة في أوروبا، بل وللأسف كانوا يلجؤون إلى ممارسات طبية تزيد من الأمراض سوءًا بدلًا عن علاجها، والسبب يرجع إلى اعتقاد الأطباء بأن الجسم يتكون من أربع عناصر؛ هي البلغم، والدم، والعصارة الصفراء، والعصارة السوداء، كما كانوا يؤمنون بوجود علاقة بين التنجيم والأمراض، وكانوا يلجؤون أيضًا إلى إراقة الدماء والحجامة لعلاج الأمراض وممارسات طبية غريبة أخرى؛ كفتح حفرة في الجمجمة لعلاج الأمراض النفسية مثلًا!
- المجاعات: أصابت المجاعة القارة الأوربية بأكملها في القرن الرابع عشر بسبب الجفاف وقلة الموارد الغذائية، وهذا أدى إلى موت ملايين الأوربيين جوعًا، بل إن البعض يتحدثون عن وفاة 10-15% من سكان القارة الأوربية بالمجاعة في تلك الفترة! كما أن هنالك تقارير تتحدث عن ظهور فئات من الناس التي سعت إلى آكل اللحوم البشرية من شدة الجوع الذي أصابهم!