الضائعون

صورة من مسلسل lost

ربما تكون المسلسلات التلفزيونية هروبا من الواقع، ولكن اعتقد ان المسلسلات الغربية بشكل عام والمسلسلات الأمريكية بشكل خاص ترتبط كثيرا بواقعنا الذي نحياه حتى وان قدمت مسلسلا كوميديا او تاريخيا او حتى خياليا علميا.

تدخل النصوص في واقعنا من خلال التفاصيل وليس شرطا من خلال الاحداث فقط، تغوص في النفس البشرية وخباياها التي نجهلها عامة وننسى أننا جُبلنا من تراكمات نفسية  كونت لنا شخصياتنا بعيوبها ومزاياها وكونت لنا قراراتنا واختياراتنا وحتى ابعد من ذلك ..مصائرنا.

ما زلت تحت تأثير عميق بعد انتهاء مسلسل الضائعون "Lost " ، المسلسل الذي يتحدث عن مجموعة اشخاص سقطوا من طائرة في جزيرة غريبة ومجهولة وفُقد اثرهم عن طريق الاقمار الصناعية ليصبحوا بذلك ضائعين عن العالم وتائهين بدورهم في الجزيرة التي يحاولون البقاء فيها على قيد الحياة.

ما شدني في هذا المسلسل هو ربط مصائر الاشخاص الذين سقطوا من الطائرة وحياتهم السابقة قبل صعودهم الى تلك الطائرة المنكوبة، وغوص الكاتب في مشاكلهم وحياتهم والعقبات التي كانوا يواجهونها. كانوا جميعهم حرفيا بلا استثناء ضائعين مجازيا قبل ان يصبحوا ضائعين بالمعنى المكاني. فصُّورت لنا احداث المسلسل بطريقة ابداعية ومثيرة لمعرفة ماذا سيحدث لاولئك الضائعين بالمعنى المكاني والمجازي ايضا ؟ هل سيجدون انفسهم وذواتهم؟ وهل سيجدهم شخص ما ؟ 

ما اثر فيّ حقا في كل شخصية من شخصيات المسلسل لم يكن شيئا امام النهاية التي صدمتني حرفيا وجعلتني ادخل في حالة من الاكتئاب الطفيف..ليس فرطا عاطفيا ولكن لان النهاية صورت جانبا غريبا لا نفكر فيه كثيرا ولا نعلم حقيقته. الا اننا نراه امام اعيننا ونشعر اننا نحن هم وليسوا مجرد شخصيات عابرة. واعتقد اننا باختلاف اشكالنا ولغاتنا ومصائرنا الا اننا نشترك بمشاعر الالم نفسه والفرح نفسه، مشاعر البكاء والضحك والغضب والحب نفسها.

نحن نعيش ايامنا بطريقة تفردية ربما نقسى على الاخرين او لا نشعر بالآمهم ولا نتفهم تصرفاتهم الا اننا في النهاية جزء من كلّ، مهما احببنا العزلة ومهما احببنا انفسنا فنحن لن نستمر الا بروح الجماعة وبالشعور بالوحدة الواحدة.

يجب ان نتفهم –رغم صعوبة ذلك- الشر الذي يكنه لنا البعض، الأذى الذي يخرج منا نحن انفسنا وأن نحاول البحث عن تلك الاسباب ومعالجتها. وان نعلم تماما ان لكل شخص منا جانبه السيء وجانبه الجيد وأن نحاول قدر المستطاع ان نركز على الجانب الجيد فينا وفي الأخرين وأن نجعله يزدهر لخدمة البشرية جمعاء ولو بأبسط الافعال. أن نتذكر أن رحلة الحياة قصيرة-وما أكثر ما ننسى ذلك- وأن نتعامل بقدر استطاعتنا بالود والثقة حتى نكون جميعا رابحين وأن لا نخسر الفرصة الثمينة بمشاركة تلك المشاعر النبيلة التي لا تقدر بثمن.

ان كنت تحب الفلسفة وعلم النفس البشري وتريد فعلا عرضا دراميا ومشوقا في الوقت نفسه ،انصحك بمشاهدة هذه التحفة الفنية التي اعدك انك لن تكون نفس الشخص بعد مشاهدتها..

الزوار شاهدو ايضا