إن من الطبيعي أن نبكي حين نشعر بالضيق، وحين تداهمنا الهموم وتلتف حولنا نبكي، وحين تراودنا مشاعر الفرح نبكي، لذلك فليس للبكاء وقت معين، لكننا نخاف ونتردد من البكاء في بعض الأحيان، خوفا من أن يؤذي مشاعرنا الآخر أو يضحك علينا، فلماذا نبكي إذن؟
قبل التطرق للحديث عن البكاء، لا بد من أن أرُدّ تهمة أن البكاء ضعف، وأن الذي يمتنع عن البكاء هو القوي الذي لا تهزه الرياح، وحقيقة الأمر إن البكاء المستمر على كل شيء ربما يكون ضعف، لكن البكاء ليس ضعفا وذلك لعدة أسباب:
1.إن ما يجعلنا نبكي هو شعورنا بالضيق، فلا يمكننا أن نقول لأعيننا لا تبكي، وإنما نخرج ما بداخلنا بالبكاء، وهو المتنفس والطريق الوحيد للتخفيف عنا، ولو بقي الواحد منا بلا بكاء لتدهورت صحته وربما أصيب بجلطة في النهاية.
2.إن البكاء عبارة عن ردة فعل مفاجئة، فأثناء تعرضنا لمواقف صعبة، أو شعورنا بالفرح، يكون البكاء ردة فعل مفاجئة لا نختارها وإنما تأتي دون شعور منا.
3.إن البكاء في بعض الأحيان قوة، لأن الذي يستطيع التعبير عن شعوره وحزنه دون خجل ولا خوف هي القوة بعينها، والمضحك في الأمر أن الأم مثلا تقول لابنها الذكر لا تبكي كالنساء، ولا تعلم أن هذا الأمر قد يصيبه فيؤذي صحته دون علم منها.
والآن دعونا نجيب عن سؤال لماذا نبكي؟
علميا ونفسيا الشيء الذي يجعلنا نبكي هو شعور بداخلنا، سواء أكان الشعور سيء يسبب لنا الضيق، أو شعور بالسعادة، أو حاجتنا لتعاطف من حولنا معنا.
فالطفل عندما يبكي يعبر عن شعور بداخله لأنه لا يستطيع التكلم، والبالغ قد يمر بالشيء نفسه، فيبكي ويبكي دون أن يخرج أي كلمة، وذلك لحاجته الكبيرة للتعبير عن حاجة بداخله، وحاجته للتعاطف الاجتماعي.
إن فكرة " البكاء راحة " تقوم على أساس علمي، وذلك أننا حينما نبكي نخرج السموم من داخلنا، ونقلل من خطر الإصابة بالأمراض ونحارب التوتر وحالات الضيق.
كيف نتعامل مع الشخص الذي يبكي؟
قد تكون في إحدى الأيام مررت من أمام شخص يبكي في مكان عام، فعطف قلبك عليه، ولكنك لم تعرف كيف تتصرف، وفي الحقيقة كنت مترددا، هل أساعده؟
أم أرحل كأني لم أره؟
لأقل لك، إنك إن رحلت فسيكون تصرفك إيجابي وصحيح من ناحية ما، وإن ساعدته سيكون الأمر كذلك أيضا، لأنه ربما يبكي في مكان عام لحاجته لأحد يسمعه أو يخفف عنه.
ولكن البعض قد يضطر للبكاء في مكان عام، ويعد الوقوف بجانبه تدخل في خصوصياته، لذلك قد يكون السؤال الصحيح لهذا الشخص، هل تحتاج للمساعدة؟
ولكن إن كان الشخص الذي يبكي على صلة بك، كأن يكون صديقك أو أحد أقاربك، أو حتى والدتك، فالتعامل الأصح في هذه الحالة أن تستمع لكل ما يقوله، وأن تحاول ضمه إليك، والتخفيف عنه، ولكنه ليس الوقت المناسب لإيجاد الحل، إنه الوقت المناسب للاعتناء به وبقلبه.
ثم يلي ذلك محاولة إيجاد حلول للمشكلة التي يمر بها، لأنه ربما يكون بكائه بلا سبب ولا مشكلة، فقط يريدك أن تحتويه، فلا تبخل عليه بذلك.
وعليك تجنب جرحه أو محاولة استصغار ما يمر به، والاستهزاء بأوجاعه، لأن ذلك يزيد الطين بِلّة ويجعله يعاني فوق معاناته، ولا أحد منا يرغب أن يصاب شخص بالألم منه، خاصة إن كان من المقربين لنا.
وقد يبكي الشخص ولا يتكلم، ويبكي ويستمر في البكاء، فلا نسأله ما به ولا ما أصابه، لأنه لو أراد التحدث لتحدث، ولكن في جميع الأحوال ينبغي عليك أن تكون بجانبه، بشكل أو بآخر.