بداية ونهاية الكون
إن السؤال عن مصير الكون هو أحد الأسئلة التي انفرد بها علم الكونيات، الذين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفيزياء كما هو معروف، لكن هذا لم يمنع الكثير من الفلاسفة والمثقفين من الخوض فيه لمحاولة فهم سبب ودواعي نهاية الكون، وفي المناسبة فإن التساؤل عن نهاية أو مصير الكون هو بنفس أهمية التساؤل عن بداية الكون! ومن المعروف أن بداية الكون ترجع إلى حادثة الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة تقريبًا. ومنذ ذلك الحين ما زال الكون يتوسع والمجرات تتباعد فيما بينها، بل إن العلماء توصلوا إلى تسارع الكون في التوسع وليس توسعه بطريقة ثابتة كما كانوا يظنون من قبل، ولقد أرجعوا سبب هذا التسارع إلى وجود طاقة مجهولة أطلقوا عليها اسم "الطاقة المظلمة"، ومن المحتمل أن تلعب هذه الطاقة دورًا في نهاية الكون لاحقًا.
كيف سينتهي الكون؟
وضع العلماء في البداية ثلاث سيناريوهات محتملة لنهاية الكون؛ السيناريو الأول هو أن الكون سينهار في النهاية على نفسه ويموت في انهيار عظيم. السيناريو الثاني هو أن الكون سيتمدد للأبد وينتهي في حالة من الجمود الكبير دون أن تصل سرعة التمدد لصفر. اما السيناريو الثالث فهو أن الكون سيتمدد أيضًا لكن بأبطأ سرعة ممكنة. وكان على العلماء تحديد السيناريو الصحيح من بين هذه السيناريوهات عبر قياس سرعة تمدد الكون وتحديد المواد التي يتكون منها الكون أصلًا. ولقد توصلوا إلى الإجابة على هذا السؤال في تسعينات القرن الماضي، عندما تأكدوا من وجود المادة المظلمة، وقالوا في النهاية أن مصير الكون تحدده تصرفات الطاقة المظلمة، وهنالك خمسة سلوكيات يُمكن لهذه الطاقة أن تسلكها، هي:
- تتخذ المادة المظلمة دور الثابت الكوني الذي يستمر بالتمدد دون توقف: تُصبح المادة أقل كثافة كلما تمدد الكون وتبقى المادة المظلمة هي الطاقة الأساسية في نسيج الزمان والمكان، ليبقى الكون في حالة من التمدد دون أن يصل إلى قيمة صفرية أبدًا! والنتيجة ستكون تباعد كل شيء والفناء الحتمي لكن الكون سيبقى يتمدد، وهذا في المناسبة هو الخيار الافتراضي الذي تشير إليه الأدلة الحالية.
- تزداد الطاقة المظلمة أكثر مع مرور الوقت: في حال كان هذا الخيار صحيحًا، فإن تمدد الكون سيتسارع أكثر مع مرور الوقت، وهذا سيؤدي إلى تفكك المجرات والمادة وحتى الذرات أيضًا، مما سيقود إلى حدوث تمزق عظيم في الكون.
- تتلاشى الطاقة المظلمة تدريجيًا مع مرور الوقت: في حال كانت الطاقة المظلمة عرضة للتلاشي بدلًا عن الزيارة مع مرور الوقت، فإن هذا يعني أن مصير الكون سيكون التجميد الكبير، أي أن الكون سيستمر في التمدد لكن دون وجود طاقة ومادة كافية، مما سيجعله ينهار على نفسه.
- تتحول الطاقة المظلمة لنوع آخر من الطاقة التي بوسعها تنشيط الكون من جديد: لا أحد يعلم يقينًا كيف ستتصرف الطاقة المظلمة على المدى البعيد، لذا يبقى من المحتمل أن تتحول لنوع جديد من الطاقة التي بمقدورها التحول تباعًا إلى مادة وأشعة لتتوفر البيئة الملائمة لحدوث انفجار عظيم جديد! لتستمر مسيرة حياة الكون مرة أخرى وهكذا.
- هنالك علاقة للطاقة المظلمة بما يُعرف بطاقة حد الصفر للفراغ الكمي: لو كان هذا الخيار صحيحًا، فإنه بلا شك سيكون الخيار الأكثر كارثية على الإطلاق! ويرجع سبب ذلك إلى وجود مبدأ في الفيزياء ينص على انزياح الأشياء نحو أقل حالة ممكنة من الطاقة، وفي حال انطبق ذلك على الطاقة المظلمة، فإن هذا يعني أن قوانين الفيزياء وكل شيء سيختفي بمجرد انزاحت الطاقة المظلمة إلى هذه الحالة في رقعة معينة من الكون، ومن المحتمل أن يحدث هذا الانهيار على شكل فقاعة تكبر بسرعة الضوء وفي كافة الاتجاهات داخل الكون وستعمل هذه الفقاعة على دمار كل شيء في طريقها ليُصبح الكون "لا شيء" حرفيًا!