أصبح الحديث عن أمراض الخفافيش أحد المواضيع المنتشرة بكثرة بين الناس في هذه الأيام نتيجة للعلاقة المفترضة بين الخفافيش ونشوء فيروس كورونا المستجد، الذي تسبب بجائحة سيئة للغاية على مستوى العالم خلال عام 2020، والحقيقة هي أن الخفافيش والقوارض كانت معروفة أصلًا بأنها حواضن للكثير من الفيروسات المعدية التي يُمكن بالفعل أن تنتقل إلى البشر وتؤدي إلى أوبئة خطيرة، وقد كشفت الدراسات أن الخفافيش بالذات تحتضن عددًا أكبر من الفيروسات مقارنة بالثديات الأخرى، وهنالك من أرجع هذا الأمر إلى وجود أنواع أو فصائل كثيرة من الخفافيش، وهذا يعني تنوعًا كبيرًا في أنواع الفيروسات التي تصيبها.
سعى الكثير من المختصين إلى البحث عميقًا في موضوع الخفافيش والأمراض بعد نشوء جائحة الكورونا، وهذا أدى إلى ظهور الكثير من الدراسات الأكاديمية الموثوقة التي حاولت طي الستار حول سبب احتضان الخفافيش للكثير من الأمراض الفيروسية المعدية، وفي المحصلة فإن الإجابة على ذلك تمحورت في حقيقة أن الخفاش يمتلك أحد أقوى الأجهزة المناعية في عالم الحيوان! وهذا مكن جسمه من مقاومة الفيروسات بشراسة ودفعها إلى التحور لتُصبح أكثر خطورة بالنسبة للبشر، مما أدى إلى نشوء فيروسات ذات طبيعة غريبة وخطيرة كما هو حاصل في حال فيروس الكورونا، وهذا يعني أن جسد الخفاش هو بيئة خصبة لتكاثر الفيروسات الشرسة بسبب حجم المعاناة التي تتعرض لها هذه الفيروسات عند مهاجمتها للجهاز المناعي للخفاش، مما يجعلها تتطور بطريقة شرسة ومؤذية لأجناس أخرى من الكائنات الحية، بما في ذلك البشر! وقد كان فيروس كورونا بالطبع أحد الأمثلة على ذلك.
أما بالنسبة إلى سبب تمتع الخفاش أصلًا بجهاز مناعي قوي، فإن العلماء قالوا بأن ذلك يرجع أساسًا إلى تطور جسم الخفاش لتمكينه من الطيران في الهواء على الرغم من أنه أحد الحيوانات الثدية صغيرة الحجم؛ فمن المعروف أن الطيران يستوجب حدوث تغيرات في العمليات الأيضية في جسم الحيوان لمقاومة المشاكل التأكسدية التي تقتل الخلايا بسرعة، وهذا الأمر دفع بالخفاش إلى تطوير جهاز مناعي قوي للغاية لمقاومة المشاكل التأكسدية، وهذا بالطبع انعكس على الفيروسات الطامحة إلى غزو جسد الخفاش وجعلها أيضًا بحاجة إلى تطوير نفسها لتتمكن من مقاومة الجهاز المناعي القوي لدى الخفاش.
تحاول الخفافيش غالبًا تجنب البشر قدر الإمكان، وهي ليست كائنات عدوانية نحوهم، كما أن أحجامها صغيرة وتُماثل حجم الفئران تقريبًا، وهي تعتمد على أسنانها الصغيرة وفكوكها الضعيفة للإمساك بالحشرات، لكن ليس جميع الخفافيش تأتي بهذه الصفات؛ فهنالك أنواع من الخفافيش الشجرية والخفافيش البنية الكبيرة التي تمتلك أسنانًا كبيرة وحادة بوسعها ثقب الجلد في حال الإمساك بها، كما أن هنالك بعض أنواع الخفافيش التي تنقل مرض داء الكلب إلى البشر، لكن فقط 1% من الخفافيش بوسعها نقل داء الكلب إلى البشر، وهذا يجعلها أقل أنواع الثديات خطرًا من هذا الناحية! وعلى العموم فإن من الضروري دون شك تجنب ملامسة الخفافيش قدر الإمكان، خاصة تلك التي يظهر عليها أعراض المرض أو التي تخرج أثناء ساعات النهار.
بغض النظر عن الأوبئة والأمراض التي قد تنتقل منها إلى البشر، إلا أن للخفافيش دور بيئي مهم للغاية؛ وذلك بسبب سعيها الحثيث لمطاردة الحشرات، خاصة في المزارع الكبيرة، وفي الحقيقة فإن التقارير تتحدث عن توفير الخفافيش لمليارات الدولارات على خزينة الدول لكونها مفيدة بدلًا عن شراء المبيدات الحشرية، كما أن للخفافيش دورٌ مهم في إبقاء أعدد الحشرات ضمن نطاق طبيعي في الغابات والمساحات المفتوحة أيضًا، لكن للأسف لاحظ العلماء أن الخفافيش تموت بالقرب من المزارع والغابات التي فيها توربينات هوائية نتيجة لاصطدامها بها، لكن لا أحد يعلم سبب ذلك على وجه التحديد إلى الآن.