زعم بعض الدارسين أن الإسلام وقف موقفا عدائيا من الشعر مستشهدين بقول الله:" والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون"، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم" لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلأ شعرا " .
وأن شعر العرب قبل الإسلام كان أقوى، فلما دخل الإسلام ضعف الشعر وانشغل الشعراء بالدعوة والجهاد، ووجدوا القرآن أكثر فصاحة فانبهروا به فكفوا عن قول الشعر، وأن الإسلام يحارب الشر وقوى الشعر في الشر فإذا دخل جانب الخير لان الشعر وضعف، وأن النبي لم يوفر بيئة للشعراء تجعلهم يكتبون الشعر، وانشغلوا بالقران الكريم والحديث فلم يعد هناك أهمية للشعر.
١.أن الآية الكريمة التي أوردوها وأنها تنهى عن الشعر ما هي إلا حجة باطلة وفهم خاطئ للآية؛ لأن الآية الكريمة عللت ذم الشعراء بأنهم يقولون ما لا يفعلون إضافة إلى أنه في نهاية السورة استثنى الله تعالى الذين آمنو من الذم.
٢.أن الشعراء انبهروا بالقرآن فلم يكتبوا الشعر بعده، فنقول فيها: إن القرآن عندما نزل لم ينزل لينبهر العرب به، وإنما نزل ليتبعه الناس ويمتثلوا أحكامه في حياتهم.
٣.أما زعمهم بأن المسلمين انشغلوا بالجهاد فضعف شعرهم نقول هذا باطل أيضا، لأن الجهاد يحفز القرائح أن تنتج شعرا، ومواقف الحماس في المعارك تنتج شعرا، فعندما ينفعل المرء تجود قريحته للتعبير عن الموقف، ونقول أن الجهاد حفزهم على قول الشعر لا ثبطهم.
٤.زعمهم بأن الرسول لم يوفر لهم بيئة مناسبة للشعر فهذا باطل أيضا، وكلنا نعرف أن الرسول لم يحارب الشعر وإنما هذبه وحسنه وجعله متوافقا مع تعاليم الدين، وكلنا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: "لا يزال روح القدس يؤيدك ما زلت تذب عن رسول الله"، فلا يعقل أن يكون النبي يحارب الشعر ثم يحفز حسان بن ثابت على قول الشعر، ونسوق قصة كعب بن زهير عندما أنشد النبي قصيدته فخلع النبي بردته عليه، وهذا يدل على شدة إعجابه بقصيدته، أما ما يخص الحديث النبوي فإن عائشة رضي الله عنها قالت أن هذه الرواية ناقصة وإنما الحديث: "لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلأ شعرا هجوت به" .
١.أن علة الذم هي الهجاء وليس أي شعر آخر.
٢.العلة الأخرى للذم هي الامتلاء، وامتلاء المرء بالشعر قد يشغله عن القرآن والدين فلذلك كان مذموما.
حتى إن بعضهم قال بأن الإسلام كان دافعا لقوة الشعر لا لضعفه كابن خلدون مثلا، وإذا قلنا أنه لم يقَوّه، على الأقل فلنكن منصفين بأنه لم يضعفه، لكنني أرى أن الإسلام جمّل الشعر وحسنه وهذبه وأضاف إليه معانٍ جديدة، وروحا إسلامية تنبض به وأتاح للشعراء أغراض شعرية جديدة، كشعر الزهد ورثاء الخلفاء والنبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن الإسلام هذب وحسن الشعر لا عارضه وحاربه، ولو أنه حاربه لما وجدنا شعراء مسلمين كحسان بن ثابت وكعب بن زهير في عصر صدر الإسلام، ولما وجدنا تأييدا من جبريل لحسان بن ثابت رضي الله عنه.
أما قولهم بأن الشعر إذا دخل فيه الخير لان وضعف فهذا هراء وكلام لا يقبله العقل، وهو رأي شخصي لا يتفق عليه الجميع، ولا دليل أن قوة الشعر تتمحور في الخير أو الشر، فهذا مرأى شخصي لا يقاس عليه.
فنستطيع القول بأن هذه الدعوى باطلة أشد البطلان لما عرضناه من ردود على هذه الدعوى فيما سبق.