قال الصنوبري:
فراقٌ يا محمدُ بعد هجرِ ||| أراني عشتُ فيكَ بشرِّ دهرِ
تركتَ الرَّقَّةَ البيضاءَ شوقاً ||| إلى حلبٍ وما هذا بعذر
وكنتَ لأهلها بدراً فأَضْحَوْا ||| جُعِلْتُ لك الفداءَ بغيرِ بدر
علامَ ولم أَخُنْ في الحبِّ عهداً ||| طويتَ مودتي من بعد نَشْر
وهبني لم أَكنْ أهلاً لسطرٍ ||| يُخَطُّ إِليَّ منك قبعضُ سطر
لأَخْمَدُ كان فيكَ أشد فجعاً ||| من الخنساءِ إذ فُجِعَتْ بِصَخْر.
قال أبو بحر الخطي:
أَمَا لفراقِنا هذا اجتماعُ ||| ولا لمدى تقاطعِنا انقطاعُ
حمَلْنَا بعدكم يا أهلَ نجدٍ ||| مِنَ الأشواقِ ما لا يُستَطاعُ
مننتُمْ آنِفاً بالقُرْبِ منكُمْ ||| فهلْ لزمانِ وَصلِكُمُ ارْتِجاعُ
رَحلْتُمْ بالنُّفُوسِ فليتَ شِعْري ||| أكانَ لكُمْ بأنفُسِنَا انْتِفاعُ
وخَلَّفتم جُسُوماً بالياتٍ ||| عَلَى جَمْرِ الغَرَامِ لها اضْطِجَاعُ
وأَكْبَاداً وأفئِدَةً مِرَاضاً ||| بِهَا مِنْ لاعِجِ الشَّوْقِ انصداعُ
وأَلْسِنةً خَرَسْنَ فلا كَلامٌ ||| وآذَاناً صَمَمْنَ فَلا اسْتِمَاعُ
وأجْفَاناً مُؤرَّقَةً دَوَاماً ||| لهَا عَنْ خاطِبِ الغَمْضِ امتِنَاعُ
كَأَنَّ قُلوبَنا لمَّا استَقَلَّتْ ||| ركائِبُكُمْ ضُحىً ودَنَا الوَدَاعُ
فِراخُ قَطاً تَخَطَّفَها بُزاةٌ ||| وعَرجُ ظِبَاً تَعاوَرُها سِبَاعُ
أَهيمُ بكُمْ أسَىً وأَضيقُ وَجْداً ||| ومَا بَيْنِي وبينِكُمُ ذِرَاعُ
فَكَيفَ وبَيْنَنَا آذِيُّ بَحْرٍ ||| وبِيدٌ في مَفَاوِزِهَا اتِّسَاعُ
ألاَ حَيّا الحَيَا أَحْيَاءَ قَومٍ ||| أذَاعُوا بالفِرَاقِ ولَمْ يُرَاعُوا
وظَبْيٍ من ظِبَاءِ الأُنْسِ حَالٍ ||| يَرُوعُ القَانِصِينَ ولا يُرَاعُ
يُبَارزُنِي بألْحَاظٍ مِراضٍ ||| فتَصْرَعُنِي لهُ وأنَا الشُّجَاعُ
ذَكَرْتُ جَمَالَهُ والخيلُ حَسْرَى ||| عَوَابِسُ قد أضَرَّ بِها القِرَاعُ
وسُمْرُ الخَطِّ مرْكَزُهَا التَّرَاقِي ||| وبِيضُ الهِنْدِ مَغمدُها النُّخَاعُ
فَمَا لِيْثَ الخِمَارُ علَى مُحيّاً ||| كَغُرَّتِهِ ولا عُقِدَ القِنَاعُ.
قال الناشئ الأكبر:
بَكَت للفراقِ وقد راعَني ||| بكاءُ الحبيبِ لبُعدِ الديارِ
كأنَّ الدموعَ على خَدِّها ||| بَقِيَّةُ طَلٍّ على جُلَّنارِ.
قال ابن داود الظاهري:
تمتع من حبيبك بالوداع ||| فما بعد الفراق من اجتماع
فكم جرعت من هجرٍ وغدرٍ ||| ومن حال ارتفاعٍ واتضاع
وكم كأسٍ أمر من المنايا ||| شربت فلم يضق عنها ذراعي
فلم أر في الذي قاسيت شيئاً ||| أشد من الفراق بلا وداع
تعالى اللَه كل مواصلاتٍ |||وإن طالت تؤول إلى انقطاع.
قال إبراهيم اليازجي:
لَقَد عَرَضَ الوَداعُ فَباتَ قَلبي ||| رَهينُ جَوىً لِبُعدَكَ وَالتياعِ
وَلَولا أَنَّني أَرجو قَريباً ||| لِقاكَ لَما بَقيتُ إِلى الوَداعِ.
قال أحمد شوقي:
مِنكَ يا هاجِرُ دائي ||| وَبِكَفَّيكَ دَوائي
يا مُنى روحي وَدُنيا ||| يَ وَسُؤلي وَرَجائي
أَنتَ إِن شِئتَ نَعيمي ||| وَإِذا شِئتَ شَقائي
لَيسَ مِن عُمرِيَ يَومٌ ||| لا تَرى فيهِ لِقائي
وَحَياتي في التَداني ||| وَمَماتي في التَنائي
نَم عَلى نِسيانِ سُهدي ||| فيكَ وَاِضحَك مِن بُكائي
كُلُّ ما تَرضاهُ يا مَو ||| لايَ يَرضاهُ وَلائي
وَكَما تَعلَمُ حُبّي ||| وَكَما تَدري وَفائي
فيكَ يا راحَةَ روحي ||| طالَ بِالواشي عَنائي
وَتَوارَيتُ بِدَمعي ||| عَن عُيونِ الرُقَباءِ
أَنا أَهواكَ وَلا أَر ||| ضى الهَوى مِن شُرَكائي
غِرتُ حَتّى لَتَرى أَر ||| ضِيَ غَيرى مِن سَمائي
لَيتَني كُنتُ رِداءً ||| لَكَ أَو كُنتَ رِدائي
لَيتَني ماؤُكَ في الغُل ||| لَةِ أَو لَيتَكَ مائي.