منذ العصر الجاهلي كان النقاد يعتنون بالشعر، فيتناولوه بالنقد والتحليل، وكان لهم أسواق يجتمعون فيها ويجعلون لهم حكمًا، ومن هذه الأسواق سوق عكاظ، ثم تطور النقد مع تطور العصور، ففي العصر العباسي كتب النقاد كتبًا لطبقات الشعراء، ككتاب ابن قتيبة، وكتاب ابن سلّام الجُمحي، ومع مجيء العصر الحديث كان النقد قد وصل إلى أوجه، حيث اعتنت البرامج التلفزيونية والمسابقات العالمية به، فتعددت البرامج التي تقارن وتفاضل بين الشعراء، ومن هذه البرامج برنامج أمير الشعراء. ويأتي السؤال الآن، كيف يتناول النقاد الشعر؟
عند تناول أي نص شعري أو شاعر بشكل عام، نرى أن النقاد يحكمون عليه، ويجعلونه جيدًا أو وضيعًا، مميزًا أو رديئًا، ولكن على أي أساس يحكمون؟ ومن أي منطلق ينطلقون؟
إن النقاد ينطلقون من أوجه ثلاث ليحكموا على الشعر، وهي:
وقد يكون العامل ليس تابعًا للناقد أو للغة أو للتصوير والتشبيه، وإنما تابع لعواطف المجتمع، وكيف تناول الشاعر مسألة في قصيدته جعلت الجمهور يتعاطف معه، ونجد هذا ما يحدث في معظم برامج النقد المعاصرة، حيث إن الذي يأتي بما يجعل لجنة التحكيم أو الجمهور يبكي يكون في القمة، وغيره دون له.
ولكن قد يأتي في بال أحدنا سؤال، هل هذه المعايير التي ينطلق النقد منها هي صادقة وتعبر عن النقد بشكل واضح، وتقارن فعلًا بين الرديء والجيد، أم أنها ليست منصفة إلى هذا الحد؟
ويأتي الجواب عنها بالآتي:
في الحقيقة إن اتباع نفس الأسس في الحكم على جميع النصوص الشعرية لا يكون منصفًا أبدًا؛ وذلك لأن النصوص الشعرية تختلف عن بعضها، والأغراض الشعرية تتعدد وتتنوع، فنجد أن الشعر الذي يقال في الرثاء يكون محملًا بالمشاعر، ولا يكون له مضمون أكثر من العاطفة، فمن أين سيأتي الكاتب بالأفكار؟
وكيف له أن يتبع شكلًا واحدًا يتقيد به كما يريد النقاد مثلً؟
وإذا نظرنا إلى شعر المديح مثلًا، نجد أن أهم شيء فيه الإقناع بالحب والإقناع بالميزات للقارئ، وصحيح أنه يحتوي على العاطفة لكن الكلام المنمق والمزين يغلب عليه، فكيف سنساويه بالهجاء؟
ولنأخذ أخيرًا شعر الهجاء، وهو الذي يكون فيه من الذم ما يكون، ويكون محملًا بكل مشاعر الغضب، فكيف يمكن أن نقارن بين رقة الشعور في شعر الرثاء وبين الألفاظ الخشنة في شعر الهجاء؟
والصحيح أن النقاد لم يقصدوا ذلك أبدًا، وإنما قصدوا اتباع الشروط وفقًا لقصائد متشابهة.