يمتلك نحل العسل نظامًا طبقيًا قاسيًا فمن بين عشرات آلاف النحل الموجود داخل القفير الواحد نجد أن معظمه يكون من الإناث العاملات، وهن يؤدين تقريبًا كل شيء بدءًا بالتنظيف وبناء القفير، إلى جمع الطلع والرحيق. وهن يعشن حياة شاقة، ففي حين تستطيع العاملات العيش من أربعة إلى تسعة أشهر خلال الشتاء تحيا العاملات اللاتي ولدن في فصل الصيف الحافل بالعمل حوالي الستة أسابيع فقط قبل أن تموت إعياءً. ليس الحال بأفضل بالنسبة للـ٣٠٠ إلى الـ٣٠٠٠ يعسوبٍ (ذكر النحل) الذين يتسكعون بشكل أساسي بانتظار التزاوج مع الملكة خلال الصيف، قبل أن يموتوا أو يُطردوا خارج القفيرعند حلول الخريف، إذ لا حاجة لهم بعد ذلك.
لكل قفيرٍ ملكةٌ واحدة، تستطيع العيش لأكثر من خمس سنين وتبيض أكثر من ٢٠٠٠ بيضة في اليوم الواحد. وتدين بكل حياتها لبروتين مُرٍّ يُفرز بكثرةٍ يُدعى بالهلام الملكي. يمنحها حياتها الطويلة ومركزها الفريد، ونادرًا ما يُحتاج لملكةٍ جديدة، لكن عند موت إحداهن أو تركها للقفير مع جماعة من النحل، تحتاج المستعمرة لإيجاد بديل بأسرع وقت. في كلا الحالتين، تُختار يرقةُ نحلٍ لتكون الملكة الجديدة. إنّ معرفة الكيفية والسبب في حدوث ذلك لم يُعرف بشكل كامل بعد، إلا أن شيئًا واحدًا مؤكدٌ وهو أن الهلام الملكي يلعب دورًا كبيرًا. تُنتج عاملات النحل الهلام الملكي من غدد في رؤوسهن تُدعى بـ(وطاء البلعوم) وتُطعمه ليرقات عاملات النحل حديثة الولادة. هذه المادة المائلة للبياض تُصنع من غبار الطلع المهضوم مع أيٍّ من العسل أو الرحيق. والهلام الملكي ليس فقط غنيًا بالبروتين فهو يملك تركيبة من الفيتامينات لاسيما فيتامين (ب) بالإضافة للدهون والسكر والهرمونات والمعادن بما فيها البوتاسيوم والمغنيسوم والكالسيوم والحديد. هذا الغذاء العظيم يحتوي أيضا على الـ(الاستيلكولين) الناقل العصبي الموجود عند الإنسان أيضا. وهو ما يَستخدمه العصبُ ليُعلمَ العضلات بالحركة أو التوقف، وهو قد يساهم أيضا في عملية التعلم. كل هذه المواد المغذية يمكنها أن تفسر لِمَ يُعتبر الهلام الملكي في الغالب مكملاً غذائيًا شاملاً باهظَ الثمنِ، على الرغم من أن الدراسات لم تتمكن من إثبات شيء فيه ذو أهمية كبيرة للإنسان. نحن على كل حال لسنا نحلًا. لكن بالنسبة للنحل يعني الأمر الكثير، إذ بحلول اليوم الثالث من تناول الهلام الملكي، حيث ستصبح الأمور مثيرة للاهتمام. سوف تَختار عاملات النحل بعضًا من اليرقاتِ وتستمر في إطعامهم الهلام الملكي فيما تنتقلُ اليرقات الأخرى لغذاء أقل قيمة غذائية مكون من العسل وغبار الطلع والماء. وبينما تلتهم ملكات المستقبل الهلام الملكي يدخلن بذلك مرحلة جديدةً من النمولا تختَبرُها النحل العاملات كتشكل المبيض من أجل وضع البيض. وأول ملكة نحل تظهرتقوم بالبحث وتدمرُ أي ملكاتٍ أخرى ما زلن في طور النمو داخل خلاياهن الشمعية، وفي حال ظهور العديد من الملكات معًا سوف يتقاتلن حتى الموت إلى أن تبقى ملكةٌ واحدة.
لا نعلم تمامًا كيف تَختار النحل العاملات اليرقات اللاتي سوف يحصلنُ على المعاملة الملكية لكننا ولزمن طويل نعتقد أن الأمر عشوائي. وهو ما يبدو منطقيًا لأنه في الأساس تتطابق عاملات النحل والملكات جينيًا. لكن بعض المؤشرات تدلُّ على أن اختيار الملكةِ يُمكن أن لا يكون شديد العشوائية في الواقع. اكتشفت دراسةٌ في العام ٢٠١١ أن اليرقات الملكات يملكن مستوياتٍ أعلى من البروتينات التي تزيد بعض النشاطات الاستقلابية لذا يمكن في الواقع أن يكون هنالك اختلافًا جينيًا صغيرًا بين الاثنين، والذي يلعب دورًا هامًا. ما زال العلماء يحاولون فهم ما الذي يجعل الهلام الملكي قادرًا على تغيير حياة يرقة بأسرها. و لوهلةٍ نظنُّ بأنه هرمونٌ في الهلام الملكي أو أنها الطريقة التي يؤثر بها على إشارات الأنسولين في اليرقة. بعدها قامت دراسة أخرى في عام ٢٠١١ بالتركيز على بروتين يدعى (رويالاكتين) وحين يُعزل ويَتحدُّ مع مغذياتٍ أخرى يستطيع تحويل اليرقة إلى ملكة تمامًا كالهلام الملكي. بعد أن تظهرَ الملكةُ تستمر في تناول الهلام الملكي طوال حياتها فيمنحها حياةً أطول من آلاف الأقارب حولها، ويبدو اختيار هذه الحمية منطقيًا بالنسبة لملكة.