ضربت العالم في عام 1918 جائحة أنفلونزا تعتبر الأكثر شدة في التاريخ الحديث، والتي نتجت عن فيروس H1N1، وبعض الجينات المتعلقة بالطيور، ولا يوجد رأي جماعي أو شامل عن مكان نشوء الفيروس، ولكنه انتشر في جميع أنحاء العالم خلال فترة ما بين 1918 -1919، وقد سجلت أول حالة منه في الولايات المتحدة في ربيع عام 1918 لأحد الشخصيات في الجيش الأمريكي، ويقدر عدد المصابين بهذا الفيروس في ذلك الوقت بـ500 مليون مصاب، أي ما يعادل ثلث سكان العالم في ذلك الوقت، ويقدر عدد الوفيات بسبب الفيروس بـ50 مليون حالة وفاة.
تعرف الإنفلونزا أو الإنفلونزا الإسبانية على أنها فيروس يصيب الجهاز التنفسي، وهو فيروس معدي بشدة، إذ يمكن أن ينتقل عن طريق قطرات أو رذاذ جهاز التنفس من خلال السعال أو العطاس أو حتى الكلام، كما يمكن أن تنتقل العدوى عند ملامسة سطح ملوث به ثم وضع اليد على الوجه. ويتفشى هذا المرض سنويًا وبنسب متفاوتة في فترة ما بين نهاية فصل الخريف وبداية فصل الربيع، ويصيب ما يقارب 200 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها، وتقدر أعداد وفياته ما بين 3 -49 ألف سنويًا فقط أيضًا في الولايات المتحدة فقط. وتختلف الأنفلونزا التي ضربت العالم في عام 1918 بأنها سلسلة فيروسية لا يملك سكان العالم مناعة ضدها.
تشمل الأعراض الأولية للإنفلونزا ألم في الرأس والتعب العام، ثم تتبعها عدة أعراض مثل؛ السعال الجاف، وفقدان الشهية، ومشاكل المعدة، والتعرق الشديد. ويبدأ بعدها هذا الفيروس بتأثير على أعضاء الجهاز التنفسي كالتهاب الرئة، ويعتقد بأن الأعراض المتعلقة بالجهاز التنفسي هي الأعراض التي تسبب وفاة معظم حالات الوفاة من هذا الفيروس، ولهذا يصعب تحديد أعداد الوفيات من هذا الفيروس، إذ يمكن ان يكون المسبب مشكلة صحية يعاني منها المصاب من دون علم.
يعتقد المؤرخين بأن الحرب العالمية الأولى هي من ساهمت في نشر هذا الوباء، فقد كان يعاني الجنود في نهاية الحرب من نقص التغذية ومن العيش في مناطق أو ثكن عسكرية وسخة جدًا، مما ساهم في تقليل مناعتهم من الأمراض، ففي الوضع الطبيعي يمكن للشخص أن يقاوم المرض ويشفى منه بعد ثلاث أيام، ولكن ضمن الظروف السيئة التي عاشها الجنود والمرتبات العليا في الجيش، كان هذا الأمر شيئًا مستحيلًا، وبعد انتهاء الحرب بدأ الجنود بالعودة لأوطانهم حاملين معهم الفيروس مما ساهم في نشر الفيروس سريعًا بين الدول المختلفة. وفي عام 2014؛ ظهرت نظرية جديدة تدعي بأن الفيروس قد نشأ في الصين، ثم انتقل مع ترحال العمال الصينين إلى بلاد الغرب مثل فرنسا وكندا التي كانت تطلب القوى العاملة بسبب الحرب، إذ تحرك أكثر من 90 ألف عامل صيني إلى الوجهة الغربية للحرب لحفر الخنادق وتصليح الدبابات، وبناء الطرق والسكك الحديدة. وقد وصل أكثر من 25 ألف عامل صيني إلى كندا، ولكن انتهى أمر ثلاثة ألاف منهم في الحجر الصحي.
لا يدل الاسم بأن هذه الإنفلونزا بدأت من إسبانيا، بل أطلق عليها هذا الاسم بسبب الإعلام الإسباني الذي غطى هذه الجائحة منذ البداية، ففي الحرب العالمية الأولى كانت إسبانيا دولة محايدة مع حرية في الإعلام، مما سمح لإعلامها بتغطية هذا الوباء ونشر أخباره إلى العالم، وقد كانت الدول الأخرى في هذا الوقت مشغولة بأخبار الحرب العالمية، وفي إسبانيا نفسها أعتقد سكانها بأن هذا الفيروس بدء في فرنسا، ويطلقون عليه اسم الإنفلونزا الفرنسية.