ما الهدف من علم الفلسفة

تمثال سقراط

يبدو علم الفلسفة عن بعد غريب وممل، ولكن في نفس الوقت مثير للإهتمام، ولكن ما الهدف من علم الفلسفة؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بالنظر إلى اللفظ ذاته، فباللغة الإغريقية، تعني كلمة "Philo" حب، وكلمة "sophia" تعني الحكمة، الفلاسفة هم أناس كرسوا حياتهم للحكمة، فالاتصاف بالحكمة يعني محاولة عيش حياة رغيدة والموت ميتةً حسنة.

طور الفلاسفة مجموعة مهارات محددة في سعيهم الدائم وراء الحكمة، فعلى مر الأجيال، أصبح أولائك الفلاسفة متمرسين بتغلبهم على الإعتقادات التي تجعل غيرهم من الناس مفتقدين للحكمة، ومن أبرزها:

لا تطرح أسئلة كبيرة.

نحن محاطون بالأسئلة الكبيرة: ما هو معنى الحياة؟ ما الغرض من العمل؟ كيف يمكن إعادة ترتيب المجتمع؟ يطرح العديد منا هذه الأسئلة على نفسه، ولكن غالبًا ما نيأس من محاولة الإجابة عنها، بل وبعضنا يشبه هذه الأسئلة بالنكات لما يكتنف المفهومين من غموض ، ولكن هذه الأسئلة بالغة الأهمية، فبالعثور على إجابة وافية فقط نتمكن من توجيه طاقاتنا بشكل فعال في حياتنا. والفلاسفة أنُاس لا يهابون طرح الأسئلة الكبيرة، فعلى مر العصور، طرحوا أكبر الأسئلة ولاحظوا أنه من الأفضل تقسيمها ليسهل الإجابة عليها ويكون التغطرس بتجنب طرح أسئلة ساذجة غير محددة.

نحن عرضة لارتكاب أخطاء غير منطقية.

الرأي العام  أو المنطق السليم منطقي وعقلاني في عدة مجالات، وهو ما تسمعه من أصدقائك وجيرانك، تلك الآراء التي تتقبلها بدون التفكير بها، ولكن هذا المنطق السليم ملئ بالأخطاء والعلل غالبًا. يحثنا علم الفلسفة على إخضاع الرأي العام للمنطق والتفكير فيه مليًا، فالفلسة تدفع الفرد إلى التفكير عن نفسه: هل مايقوله الناس عن الحب والمال والأطفال والسفر والعمل حقيقي؟ ويهتم الفلاسفة بالتساؤل عن مدى منطقية فكرة ما، بدلًا من الأخذ بها فقط لأنها فكرة شائعة منذ فترة طويلة من الزمن.

عقولنا مشوشة.

نحن لا نعرف دائمًا ماذا يجول في خاطرنا. أحيانًا نقابل شخصًا مزعجًا لكن لا نعرف ما المزعج بالتحديد في ذلك الشخص. وأحيانا نفقد أعصابنا دون أن نتمكن من تعريف ما استشاظ غضبنا. كما أننا لا نعرف ما نحب أوما نكره بالضبط. لهذا يتوجب علينا التعمق في ذاتنا واستكشاف عقلياتنا. إذ تعنى الفلسفة باستكشاف الذات، وقد تحدث سقراط، أحد أوائل وأعظم الفلاسفة، عن هذا المبدأ بكلمتين: 

"اعرف نفسك".

نحن لا نعلم ما الذي يسعدنا بالضبط.

نحن لا نجيد إسعاد أنفسنا، إذ نبالغ بتقدير بعض الأشياء ظنا أنها تحسن حياتنا، و نبخس تقدير أشياء أخرى.

نقوم بإختيارات خاطئة متأثريين بالإعلانات الخادعة والمفاتن المزيفة، متخيلين أن نوعًا محددًا من الإجازات أو السيارات أو الحواسيب سيحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا. وفي الوقت ذاته، لا نقدر أهمية أشياء أخرى، كالتنزه، وقدرته على تحسين شخصيتنا وتعديل مزاجنا. يسعى الفلاسفة للاتصاف بالحكمة بتحديد الأنشطة والتصرفات التي تترك أثرًا نافعًا في حياتهم.

لا نفكر بمنطقية عندما نهلع.

يحافظ الفلاسفة على ادراكهم للأشياء المهمة وغير المهمة في حياتهم.

بعد إخباره أن السفينة التي تحمل كل ممتلكاته

غرقت، قال الفيلسوف الرواقي زينو:

"لم تُرِد ثروتي عرقلة رحلتي في الفلسفة".

ردود كهذه جعلت كلمة فلسفي مرادفة للرزانة، والتأمل في التفكير، و قوة العقل، أي باختصار للنظرة المنطقية.

في العصر الحديث، نتعرف على مبدأ الحكمة الفلسفية من الكتب، ولكن سابقًا، كان الفلاسفة يجلسون في ساحات الأسواق لمناقشة أفكارهم مع الباعة، وكانوا يذهبون أيضًا للمكاتب الحكومية والقصور لإعطاء نصائح، ولم يكن غريبًا على المرء صرف جزءً من راتبه على أحد الفلاسفة. كان ينظر للفلسفة على أنها نشاط طبيعي يمارس في الحياة اليومية، بدل رؤيتها كنشاط غريب مقتصر على فئة قليلة أو كنشاط اختياري. في يومنا هذا، لا يسعنا إنكار حقيقة أننا نفتقد لجمعيات تسعى لتوظيف الحكمة على أرض الواقع. لكن في المستقبل عندما تتضح القيمة الحقيقية للفلسفة قد يتغير الوضع، وحتى يمكننا توقع ظهور المزيد من الفلاسفة، أي فلاسفة لا يعزلون أنفسهم في الكليات الجامعية، فلاسفة يقدرون أن الحكمة تخذل الناس في مختلف المواقف ويعلمون أهمية أن هذه المشكلة تستدعي اهتمامنا العاجل.