هو روزبه بن داذويه بن المبارك من بني خوز، كنيته قبل أن يسلم أبو عمرو، وبعد الإسلام سمي عبد الله، وسبب تسميته بابن المقفع أن داذويه والد ابن المقفع ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي خراج بلاد فارس، فنال شيئا من مال السلطان، فضربه الحاج حتى تقفعت يده، فلقب بالمقفع، وعرف ابنه روزبه بابن المقفع.
ولد ابن المقفع حوالي سنة ست ومائة هجري، وسماه والده روزبه، ونشأ بالبصرة في ولاء آل الأهتم، وكان معروفا عن أهل البصرة العلم والبلاغة فكان طبيعيا أن ينشأ منها أديبا كابن المقفع، والمعروف أن ابن المقفع كان أديبا في قومه قبل الإسلام، أي في الأدب الفارسي.
جمع ابن المقفع بين ثقافتي العرب والفرس، وإذا قلنا ثقافة الفرس ضممنا إليها حكمة الهنود وفلسفة اليونان؛ لأن الفرس ترجموا كتب الهند واليونان، واعترف له الخليل بن أحمد الفراهيدي والجاحظ بالبلاغة والفصاحة والعلم، وهو أحد البلغاء العشر في ذلك العصر.
لابن المقفع كتب كثيرة، أشهرها كتاب كليلة ودمنة ترجمه ابن المقفع عن الفارسية، وكتاب الأدب الصغير، وكتاب الأدب الكبير، وكتاب الدرة اليتيمة، كتاب مزدك، وأغلبها كانت تدور حول الأدب والأخلاق والمواعظ.
ابن المقفع هو إمام الطبقة الأولى من كتاب العصر العباسي، وصاحب الطريقة التي آخت بين التفكير الفارسي والبلاغة العربية، وهو كاتب حكيم، تغلب عليه الحكمة في كل شيء، وكل ما وصل إلينا من آثاره لا يخرج عن المواضيع الحكمية، فكليلة ودمنة والأدبان الكبير والصغير كتب ترمي إلى تهذيب الأخلاق وإصلاح النفوس.
وابن المقفع كاتب لا تستهلك معانيه ألفاظه، ولا تغتال ألفاظه معانيه، فليس هناك
لف ولا دوران، ولا ترادف ولا إسجاع، بل تراه يقدر اللفظ على المعنى تقديرا يدل على ألفاظ متخيرة، (كان ابن المقفع كثيرا ما يقف إذا كتب، فقيل له في ذلك، فقال: إن الكلام يزدحم في صدري فأقف لتخيره.)
أظهر ما في أسلوبه السهولة والوضوح والجري مع الطبع وعدم التعقيد والإغراب،
ومن خصائصه وضع الشيء في محله وإيفاء الموضوع حقه مع نفوذ بصر وسمو فكر، وقل أن تجد كاتبا لا يستعين في إنشائه بالمبالغة والغلو وسحر الألفاظ ورنينه، بل ربما كان ذلك من أقوى العناصر في فن الكاتب، إلا ابن المقفع فإنه واجه الحقائق وحدث عنها حديثا صادقا لا تزيد فيه، وكان مع ذلك من أبلغ المنشئين.
ومن أهم سمات أدب ابن المقفع هو تحكيم العقل فيه، وإخضاعه للمنطق، فهو كان يزن الفكرة فتأتي الألفاظ على قدر المعاني دون زيادة مملة أو نقص مخل، أما بالنسبة لألفاظه فأسلوبه سهل ممتنع أي سهل في المظهر عميق الفهم، وقد غلب العنصر العقلي والفكري على عناصر الفن في نثره، وهذا أمر طبيعي حيث إنّ ابن المقفع كان يتمتع بالنضج العقلي، والثقافة الواسعة، والعمق الفكري في شؤون السياسة والمجتمع والأخلاق، وأمور الدنيا والدين، ويظهر هذا في كافة مؤلفاته لا سيما في كتابه الأدب الصغير الذي يمثل ذلك خير تمثيل، كما امتلك ابن المقفع ناصية البلاغة التي تظهر في نثره بأرفع درجاتها، وكان يوصي بالابتعاد عن وحشي الألفاظ، ومبتذل المعنى، فيقول مخاطباً أحد الكتاب: (إياك والتتبع لوحشي الكلام، طمعاً في نيل البلاغة، فإن ذلك العي الأكبر)، ثمّ ساد أسلوبه وحذا حذوه كتاب بلغاء، وظل سائداً حتى ظهر أسلوب الجاحظ، واعتبر ابن المقفع من رواد النثر الفني في تاريخ الأدب العربي كلّه، وإمام الكتاب في عصر الترجمة.
توفي ابن المقفع مقتولا، سنة 142هـ