يكثر الروائيون العرب ويتميز منهم القليل، وتلك معادلة غريبة لأن كل روائي عربي يجب أن يتميز -على أقلها- لروعة اللغة التي يكتب فيها. الا ان ذلك لم يكن شفيعا للجميع وتميز القلة التي جمعت بين الموهبة واللغة والإبداع.
وحين نأتي على ذكر المميزين من كتّابنا فسوف يتربع على عرش الحوار الروائي المصري نجيب محفوظ تلك القامة العربية التي كانت أول من يحصل على جائرة نوبل للآداب.
فمن هو هذا الروائي وكيف كانت حياته؟ هذا ما سنرويه في مقالتنا لهذا اليوم.
وليد نجيب محفوظ عبد العزيز ابراهيم أحمد باشا في القاهرة تحديدا في حي الجمالية الموافق للحادي عشر من ديسمبر من عام 1911 وسط عائلة متوسطة الحال حيث كان والده موظفا حكوميا. كان الأخ الأصغر لأشقائه الستة بفارق كبير بينهم لذلك تربى وكأنه الطفل الوحيد.
إن قرأت يوما أي كتاب بتوقيع نجيب محفوظ فيمكنك ان تلمس لمسة فلسفية رغم الواقعية التي تميزت بها رواياته والتي أهلته بذلك الى جائرة نوبل بالسلام. وان خمنت ذلك فإن تخمينك دقيق في محله حيث درس الفلسفة في جامعة القاهرة وكان يهم الى تحضير رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية الا أنه غير رأيه وقرر التركيز على الأدب ليخرج بذلك أعظم التحف الروائية التي تلاقي اقبالا حتى يومنا هذا.
بدأت مسيرة نجيب محفوظ الحقيقية في الكتابة في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي حيث كانت البداية في نشره للقصص القصيرة مع مجلة الرسالة . ثم قدم مفهومه عن الواقعية التاريخية في روايته الأولى "عبث الأقدار" تلاها روايتين خط أحداثهما في زمن الفراعنة وهما "كفاح ظيبة" و "رادوبيس".
ثم بدأ السلسلة من الخط الروائي الواقعي الذي اوصله للعالمية برواية القاهرة الجديدة ورواية خان الخليلي ورواية زقاق المدق وغيرهم. وخط قلمه النابض خطوطا أخرى مثل الواقعية النفسية في رواية السراب وخط الأسلوب الرمزي في روايته الشحاذ والراوية الأشهر والاكثر جدلا والتي كانت سببا في محاولة اغتياله وهي رواية " اولاد حارتنا".
وفي يوم 14 اكتوبر من عام 1994 ، تحديدا في السيارة التي كان يستقلها الأستاذ نجيب محفوظ مع صديقه الطبيب البيطري محمد فتحي حيث داهمه شخص - قيل أنه ينفذ فتوى اهدار دم الأديب الحائز على جائزة نوبل – بعدة طعنات في رقبته أصابت أحداها شريانا رئيسيا أدت بذلك الى دخول الاستاذ نجيب محفوظ مرحلة الخطر لعدة اسابيع ورغم اجتيازه هذا المصاب بسلام النفس الا انه لم يعد قادرا على الكتاب لساعة متواصلة كما كان في السابق أي قبل الحادث.
كثيرا ما يُظلم مقامات وعقول عظيمة ويكونون عرضة بذلك الى المتعصبين والجهال الذين يرون الطبقة السطحية من كل حديث او إنجاز ويسقطون بذلك خلفياتهم البسيطة والمفتقرة الى الحكمة والتعمق الى ما هو ابعد من السطح، وينهون او يعرقلون مسيرة أشخاص هم بلا ريب أساس عظيم لتقدم الأمة.
توفي بطل مقالتنا اليوم بعد ان ترك كنز وميراث عظيم له وللأدب العربي في التاسع والعشرين من آب عام 2006 عن عمر يناهز خمسة وتسعين عاما اثر تعرضه لقرحة دامية في حي العجوزة في محافظة الجيزة . راسما برحيله تاريخا أبديا في ثنايا هذه الأرض التي لا تخلد الا العظماء.
وفي النهاية كتب نجيب محفوظ مرة فقال : " - ربما كان في وسع الإرادة القوية أن تتيح لنا أكثر من مستقبل واحد، ولكننا لن يكون لنا - مهما أوتينا من إرادة - إلا ماضٍ واحد لا مفر منه ولا مهرب".